فصل: فائدة: في بيان المغضوب عليهم والضالين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} يعني طريق من أنعمتَ عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، وهم الأولياء والأصفياء. ويقال طريق من أفنيتهم عنهم، وأقمتهم بك لك، حتى لم يقفوا في الطريق، ولم تصدهم عنك خفايا المكر. ويقال صراط من أنعمت عليهم بالقيام بحقوقك دون التعريج على استجلاب حظوظهم.
ويقال صراط من طهرتهم عن آثارهم حتى وصلوا إليك بك. ويقال صراط من أنعمت عليهم حتى تحرروا من مكائد الشيطان، ومغاليط النفوس ومخاييل الظنون، وحسبانات الوصول قبل خمود آثار البشرية.
ويقال صراط من أنعمت عليهم بالنظر والاستعانة بك، والتبري من الحول والقوة، وشهود ما سبق لهم من السعادة في سابق الاختيار، والعلم بتوحيدك فيما تُمضيه من المَسَار والمضار.
ويقال {صراط الذين أنعمت عليهم} بحفظ الأدب في أوقات الخدمة، واستشعار نعت الهيبة.
ويقال {صراط الذين أنعمت عليهم} بأن حفظت عليهم آداب الشريعة وأحكامها عند غلبات بواده الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم، ولم يُخِلُّوا بشيء من أحكام الشريعة. ويقال {صراط الذين أنعمت عليهم} حتى لم تطفئ شموسُ معارفهم أنوارَ ورعهم ولم يُضيِّعُوا شيئًا من أحكام الشرع.
ويقال {صراط الذين أنعمت عليهم} بالعبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.
قوله جل ذكره: {غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}.
المغضوب عليهم الذين صدمتهم هواجم الخذلان، وأدركتهم مصائب الحرمان، وركبتهم سطوة الرد، وغلبتهم بَوَاده الصد والطرد.
ويقال هم الذين لحقهم ذل الهوان، وأصابهم سوء الخسران، فشغلوا في الحال باجتلاب الحظوظ- وهو في التحقيق شقاء؛ إذ يحسبون أنهم على شيء، وللحق في شقائهم سر.
ويقال هم الذين أنِسُوا بنفحات التقريب زمانًا ثم أظهر الحق سبحانه في بابهم شانا؛ بُدِّلوا بالوصول بعادًا، وطمعوا في القرب فلم يجدوا مرادًا، أولئك الذين ضلّ سعيُهم، وخاب ظنهم.
ويقال {غير المغضوب عليهم} بنسيان التوفيق، والتعامي عن رؤية التأييد. {ولا الضالين} عن شهود سابق الاختيار، وجريان التصاريف والأقدار.
ويقال {غير المغضوب عليهم} بتضييعهم آداب الخدمة، وتقصيرهم في أداء شروط الطاعة.
ويقال {غير المغضوب عليهم} هم الذين تقطعوا في مفاوز الغيبة، وتفرّقت بهم الهموم في أودية وجوه الحسبان.

.فصل: في سنية التأمين:

ويقول العبد عند قراءة هذه السورة آمين، والتأمين سُنَّة، ومعناه يا رب افعل واستجب، وكأنه يستدعي بهذه القالة التوفيق للأعمال، والتحقيق للآمال، وتحط رِجْلُه بساحات الافتقار، ويناجي حضرة الكرم بلسان الابتهال، ويتوسل بتبريه عن الحول والطاقة والمُنَّة والاستطاعة إلى حضرة الجود. وإن أقوى وسيلة للفقير تعلقه بدوام الاستعانة لتحققه بصدق الاستغاثة. اهـ.

.لطيفة في قوله تعالى: {غير المغضوب عليهم ولا الضالين}:

قال القاسمي:
{غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال الأصفهاني: وإنما ذكر تعالى هذه الجملة لأن الكفار قد شاركوا المؤمنين في إنعام كثير عليهم، فبين بالوصف أن المراد بالدعاء ليس هو النعم العامة، بل ذلك نعمة خاصة. اهـ.

.فائدة: في بيان المغضوب عليهم والضالين:

قال الشوكاني:
وأخرج عبد بن حميد عن الربيع بن أنس في قوله: {صِرَاطَ الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} قال النبيون: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ} قال اليهود: {وَلاَ الضالين} قال النصارى. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد مثله. وأخرج أيضا عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج عبد الرزاق، وأحمد في مسنده، وعبد بن حميد، وابن جرير، والبغوي، وابن المنذر، وأبو الشيخ عن عبد الله بن شقيق؛ قال: أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى على فرسٍ له، وسأله رجل من بني القين، فقال: من المغضوب عليهم يا رسول الله؟ «قال اليهود»، قال: فمن الضالون؟ قال «النصارى».
وأخرجه ابن مردويه عن عبد الله بن شقيق، عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.
وأخرجه وكيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن عبد الله بن شقيق قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحاصر أهل وادي القرى، فقال له رجل:...» إلى آخره، ولم يذكر فيه أخبرني من سمع النبي كالأوّل، وأخرجه البيهقي في الشعب عن عبد الله بن شقيق، عن رجل من بني القين، عن ابن عمّ له أنه قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم» فذكره.
وأخرجه سفيان بن عيينة، في تفسيره، وسعيد بن منصور، عن إسماعيل بن أبي خالد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المغضوب عليهم: اليهود، والضالون: النصارى» وأخرجه أحمد، وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المغضوب عليهم هم اليهود، وإن الضالين النصارى» وأخرج أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم وصححه، والطبراني عن الشَّرِيدُ قال: مرّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا جالس هكذا، وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري، واتكأت على ألية يدي فقال: «أتقعُدُ قِعْدَة المغضوبِ عليهم؟» قال ابن كثير بعد ذكره لحديث عدي بن حاتم: وقد روي حديث عدي هذا من طرق، وله ألفاظ كثيرة يطول ذكرها. انتهى. والمصير إلى هذا التفسير النبويّ مُتَعَيَّن، وهو: الذي أطبق عليه أئمة التفسير من السلف.
قال ابن أبي حاتم: لا أعلم خلافًا بين المفسرين في تفسير المغضوب عليهم باليهود، والضالين بالنصارى. ويشهد لهذا التفسير النبويّ آيات من القرآن، قال الله تعالى في خطابه لبني إسرائيل في سورة البقرة: {بِئْسَمَا اشتروا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ الله بَغْيًا أَن يُنَزِّلُ الله مِن فَضْلِهِ على مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ على غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَاب مُّهِين} [البقرة: 90].
وقال في المائدة: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ القردة والخنازير وَعَبَدَ الطاغوت أولئك شَرّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السبيل} [المائدة: 60] وفي السيرة عن زيد بن عمرو بن نفيل: أنه لما خرج هو، وجماعة من أصحابه إلى الشام يطلبون الدين الحنيف قال اليهود: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، فقال: أنا من غضب الله أفّر، وقالت له النصارى: إنك لن تستطيع الدخول معنا حتى تأخذ بنصيبك من سخط الله، فقال لا أستطيعه، فاستمرّ على فطرته، وجانب عبادة الأوثان. اهـ.

.سؤال: فإن قال: كيف خَصّ النصارَى بهذه الصفة، وَخصّ اليهودَ بما وصفَهم به من أنهم مغضوب عليهم؟

قيل: كلا الفريقين ضُلال مغضوب عليهم، غيرَ أن الله جلّ ثناؤه وَسم كل فريق منهم من صِفَته لعباده بما يعرفونه به، إذا ذكرهُ لهم أو أخبرهم عنه. ولم يسمِّ واحدًا من الفريقين إلا بما هو له صفة على حقيقته، وإن كان له من صفاتِ الذمّ زيادات عليه.
فيظنُّ بعض أهل الغباء من القدريّة أن في وصف الله جلّ ثناؤه النصارى بالضّلال، بقوله: {ولا الضالين} وإضافته الضَّلال إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه، وتركه وصفهم بأنهم المضلَّلون، كالذي وَصف به اليهود أنهم المغضوبُ عليهم- دلالةً على صحة ما قاله إخوانُه من جهلة القدرية، جهلا منه بسَعَة كلام العرب وتصاريف وُجوهه.
ولو كان الأمر على ما ظَنّه الغبي الذي وصفنا شأنه، لوجب أن يكونَ شأنُ كلِّ موصوفٍ بصفةٍ أو مضافٍ إليه فعل، لا يجوزُ أن يكون فيه سبب لغيره، وأنْ يكون كلُّ ما كان فيه من ذلك لغيره سبب، فالحقُّ فيه أن يكون مضافًا إلى مُسبِّبه، ولو وَجب ذلك، لوجبَ أن يكون خطأ قولُ القائل: تحركت الشجرةُ، إذْ حرَّكتها الرياح؛ واضطربت الأرض، إذْ حرَّكتها الزلزلة، وما أشبهَ ذلك من الكلام الذي يطولُ بإحصائه الكتاب.
وفي قول الله جل ثناؤه: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [سورة يونس: 22]- بإضافته الجريَ إلى الفلك، وإن كان جريها بإجراء غيرِها إيَّاها- ما دلّ على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في قوله: {ولا الضالين} وادّعائه أنّ في نسبة الله جلّ ثناؤه الضلالةَ إلى من نَسبها إليه من النصارى، تصحيحًا لما ادَّعى المنكرون: أن يكون لله جلّ ثناؤه في أفعال خلقه سبب من أجله وُجدت أفعالهم، مع إبانة الله عزّ ذكره نصًّا في آيٍ كثيرة من تنزيله، أنه المضلُّ الهادي، فمن ذلك قوله جل ثناؤه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [سورة الجاثية: 23]. فأنبأ جلّ ذكره أنه المضلّ الهادي دون غيره.
ولكنّ القرآن نزلَ بلسان العرب، على ما قدَّمنا البيان عنه في أول الكتاب، ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وُجد منه- وإن كان مسبِّبُه غيرَ الذي وُجِد منه- أحيانًا، وأحيانًا إلى مسبِّبه، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيرُه. فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسبًا، ويُوجِده الله جلّ ثناؤه عَيْنًا مُنْشَأةً؟ بل ذلك أحرى أن يُضاف إلى مكتسبِه؛ كسبًا له، بالقوة منه عليه، والاختيار منه له- وَإلى الله جلّ ثناؤه، بإيجاد عينِه وإنشائها تدبيرًا. اهـ.

.قال في البحر المديد:

اعلم أن الحق سبحانه قسم خلقه على ثلاثة أقسام: قسم أعدَّهم للكرم والإحسان، ليُظْهِرَ فيهم اسم الكريم أو الرحيم، وهو المنعم عليه بالإيمان والاستقامة. وقسم أعدَّهم للانتقام والغضب، ليُظهر فيهم اسمه المنتقم أو القهار، وهم المغضوب وعليهم والضالون عن طريق الحق عقلًا أو عملًا، وهم الكفار، وقسم أعدَّهم الله للحِلْم والعفو، ليُظهر فيهم اسمه تعالى الحليم والعفو، وهم أهل العصيان من المؤمنين.
فمن رَامَ أن يكونَ الوجودُ خاليًا من هذه الأقسام الثلاثة، وأن يكون الناس كلهم سواء في الهداية أو ضدها، فهو جاهل بالله وبأسمائه؛ إذ لابد من ظهور آثار أسمائه في هذا الآدمي، من كرم وقهرية وحِلْم وغير ذلك. والله تعالى أعلم. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآيتين:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم}.
قال ابن عرفة: الطّلب من الأدنى للأعلى سؤال عند المنطقيين ودعاء عند النحويين.
ومنهم من قال: إن كان لله تعالى فهو دعاء، وإن كان لغيره فهو أمر.
والهداية لها معنيان خاص وعام فالأعم الإرشاد سواء كان للخير أو للشر، والأخص الإرشاد إلى طريق الخير والمراد هنا الأخص.
والصراط قيل: هنا الطريق وقيل: الطريق الموصلة للآمر الملائم وهو طريق الخير كأنه مأخوذ من السّرط وهو الإبلاغ.
والإنسان ما يتبلغ إلا ما هو ملائم له، وَصَفَهُ على هذا بالمستقيم لأن طريق الخير قسمان قريبة، وبعيدة:
فالمستقيم نصّ اقليدس على أنه أقرب خطين بين نقطتين فالخط المستقيم أقرب من المعوج فلذلك وصفه على هذا بالمستقيم.
قال ابن عرفة: ولمّا قال: {إياك نعبد} أوهم أن للإنسان في العبادة ضربا من المشاركة والاختيار، فعقبه بطلب الهداية تنبيها على كمال الافتقار، وأن كل العبادة والطاعة من الله تعالى وليس للعبد عليها قدرة، فهو دليل لأهل السنة.
قوله تعالى: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.
دليل على أن الهداية إلى الطّاعة محض نعمة وتفضل من الله تعالى: لا باستحقاقه بوجه، والمراد بالهداية خلق القدرة على الطاعة وعند المعتزلة تيسير أسباب الفعل والتمكن منه ومنح الألطاف لأنهم يقولون: إن العبد يستقل بأفعاله ويخلقها.
قال الزمخشري: فإن قلت ما أفاد الوصف بغير المغضوب مع أنه معلوم من الأول؟
فأجاب: بأن الإنعام يشمل الكافر والمسلم فبين أن المراد به المسلم.
وردّه ابن عرفة بما تقدم لنا من أن المراد الإنعام الأخص.
قال: وإنّما الجواب أنه وصف به تنبيها وتحريضا للانسان على استحضار مقام الخوف والرّجاء خشية أن يستغرق في استحضار مقام الإنعام فيذهل عن المقام الآخر وأشار إليه ابن الخطيب هنا.
قال ابن عرفة: وغضب الله تعالى إما راجع لإرادته من العبد المعصية والكفر أو راجع لخلقه الكفر والمعصية في قلبه، هَذَا عِنْدنَا.
وعند المعتزلة راجع لإرادته الانتقام منه لأنهم يقولون أن الله تعالى لم يخلق الشر ولا أراده ووافقونا في الدّاعى أنه مخلوق لله تعالى.
فإن قلت لم قال: {الذين أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بلفظ الفعل، و: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ} بلفظ الاسم وهلاّ قال صِرَاطَ المنعم عليهم كَما قال: {غَيْرِ المغضوب}؟
قلت: فالجواب أنه قصد التنبيه على التأدب مع الله تعالى بنسبة الإنعام إليه وعدم نسبة الشر إليه بل أتى به بلفظ المفعول الذي لم يتم فاعله فلم ينسب الغضب إليه على معنى الفاعلية وإن كان هو الفاعل المختار لكل شيء لكن جرت العادة في مقام التأدب أن ينسب للفاعل الخير دون الشر.
وأجاب القاضي العماد بوجوه:
الأول: من ألطاف الله أنه إذا ذكر نعمة أسندها إليه فقال: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَة} ولذلك قال إبراهيم عليه السلام: {وإذا مرضت فهو يشفين}.
الثاني: إنما قال: {غَيْرِ المغضوب عَلَيْهِمْ} ليدخل غضبه وغضب الملائكة والأنبياء والمؤمنين فهو أعمّ فائدة.
الثالث: إنما لم يقل صراط المنعم عليهم لأن إبراز ضمير فاعل النعمة ذِكْر وشكر له باللّسان وبالقلب، فيكون دعاء مقرونا بالشكر والذكر.
الرابع: فيه فائدة بيانية، وهو أنه من التفنن في الكلام لأنه لو أجري على أسلوب واحد لم يكن فيه تلك اللّذاذة وإذا اختلف أسلوبه ألقى السامع إليه سمعه وهو تنبيه وطلب احضار ذهنه من قريب ومن بعيد.
قلت: وإشارة إلى قوله تعالى: {مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ} فالنعمة تفضل ورحمة، والانتقام عدل وقصاص.
قلت: ونقل بعضهم أن القاضي محمد بن عبد السلام الهواري سئل ما السر في أن قيل: {اهدنا الصراط} بنُون العظمة والداعي واحد وهو محل تضرع وخضوع، وهلا قال: اهدِنِي؟
فأجاب بأنّ المصلّي إن كان واحدا فهو طالب لنفسه ولجميع المسلمين. قال: أو تقول إنّ المصلي لما حصّل مناجاة الله وهي من أعظم الأشياء عظم لذلك وهو الجواب في {نَعْبُدُ}- و{نَسْتَعِينُ} والله أعلم بالصواب. اهـ.